قال
ابن إسحاق: كانت الكعبة رضماً فوق القامة، فأرادت قريش أن يهدموها
ويرفعوها ويسقفوها، وكانوا يهابون هدمها، فاتفق أن نفراً من قريش سرقوا
كنز الكعبة، وكان يكون في جوف الكعبة، وكان البحر قد ألقى سفينة إلى جدة
لرجل من الروم، فتحطمت، فأخذوا خشبها فأعدوه لسقفها، فاجتمعت قريش على
هدمها، وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ
ذاك ابن خمس وثلاثين سنة، فلما أجمعوا على هدمها قام أبو وهب بن عمرو بن
عائذ بن عمران بن مخزوم، وهو جد سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب، فتناول
حجراً من الكعبة فوثب من يده فرجع إلى موضعه، فقال: يا معشر قريش، لا
تدخلن في بنيانها من كسبكم إلا طيباً، ولا تدخلوا فيها مهر بغي، ولا رباً
ولا مظلمة.
وقيل: إن الوليد بن المغير قال هذا.
فهدموها
واقتسمت قريش عمارة البيت، فكان الباب لبني عبد مناف وبني زهرة، وكان ما
بين الركن الأسود واليماني لبني مخزوم وتيم وقبائل من قريش، وكان ظهرها
لسهم وجمح، وكان شق الحجر لبني عبد الدار وبني أسد، وبني عدي بن كعب؛
فبنوا حتى بلغ البناء موضع الركن، فكانت كل قبيلة تريد أن ترفعه حتى
تجاذبوا وتخالفوا وأعدوا للقتال، فبقوا أربع ليال أو خمس ليال، فقال أبو
أمية المخزومي: يا معشر قريش، اجعلوا بينكم أول من يدخل من باب المسجد،
فلما توافقوا على ذلك ورضوا به، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا: هذا الأمين قد رضينا به، فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر،
فقال: هلموا ثوباً، فأتوه به، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن
فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوا جميعاً،
فرفعوه حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده،
ثم بنى عليه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى في الجاهلية: الأمين، قبل أن يوحى إليه.
وقيل: كان سبب بنائها أن السيل ملأ الوادي، ودخل الكعبة فتصدعت، فبنتها قريش.
وقيل:
إن الذي أشار بأول من يدخل أبو حذيفة بن المغيرة، وكانت هذه فضيلة لرسول
الله صلى الله عليه وسلم على سائر قريش، ومما قدمه الله قبل المبعث من
الكرامة.